بقلم: أيمن عقيل
زرت سويسرا أكثر من ثلاثين مرة، وفي كل مرة تبهرني هذه البلد، ولكن ليست معالمهًا ما تبهرني مثل قصر الأمم أو الثلوج التي تغطي بها جبال الألب، أو بحيرة جنيف أو حتي الشيكولاتة السويسرية. لكن ما يبهرني ويُثير استغرابي كيف تحولت سويسرا من بلد نامية صغيرة وفقيرة ذات خصائص جغرافية لا تؤهلها إلى الثراء كالجبال والسهول غير الصالحة للزراعة إلى دولة فيدرالية غنية بصناعتها وبضائعها التجارية وساعاتها الأعلى سعرا في العالم. من بلد قامت فيها ثورة استمرت لأكثر من خمسين عاما إلى واحدة من بين أكثر الدول أمانا.
"أنتي في سويسرا يا عزيزتي." هكذا قيل لسيدة يونانية عندما أوقفت سيارتها أمام مدخل أحد الفنادق في جنيف متخوفا من سرقة المشتريات التي جمعتها خلال رحلتها بين مدن بيرن ونيوشاتل وزيورخ وأخيرا جنيف. فما سر نهضة هذه البلد وكيف حولت نكستها إلي رفاهية ورخاء لم يسبق له مثيل. أستطيع أن أؤكد أن المواطن السويسري هو كلمة السر في نهضة بلاده، لا الموقع الجغرافي ولا التاريخ المضطرب ولا الثورة التي استمرت سنوات، يبلغ عدد سكان سويسرا أكثر من ثمانية مليون وفقا لآخر إحصائيات صادرة عن المكتب الإحصائي الاتحادي في سويسرا. وهم مزيج متنوع من الثقافات والأعراق، والقوميات وينتسب لها أينشتاين وجان جاك روسو وكارل يونج، وأخرين نبغوا في العلوم والفلسفة والاقتصاد. واختارت سويسرا الحياد فيما يتعلق بالسياسة الدولية مقتدية بإرساء السلام كبديل عن الحروب.أنتِ في سويسرا ياعزيزتي.
واختارت سويسرا الحياد فيما يتعلق بالسياسة الدولية مقتدية بإرساء السلام كبديل عن الحروب.
لا يعرف المواطن السويسري معنى جلد الذات واعتز بنفسه وبلاده حتى في أحلك الظروف والأوقات. ويبدأ يومه ضاحكا، يلتزم بالقواعد ويطبقها على نفسه قبل أن يطالب بها غيره. وأهم ما يميزه هو الواقعية، فهو بعيد عن الخيال حتى أنه يقال عليه إنه ينظر إلى كل من حوله بذات الطريقة التي يضبط بها ساعته، سلوك المواطن السويسري تلمسه كلما زرت هذه البلد كسائح فهم بارعين في فن معاملة السائح وخدمته، يبدو أني نسيت أن أبلغكم أن مناطق معروفة في سويسرا تعيش على السياحة صيفا وشتاء حتى أصبحت السياحة تشكل مصدرا من مصادر الدخل القومي، عرف السويسريين قيمة السياحة وحولوا الثلوج والشتاء القارس الذي يعد بمثابة نقمة في بلاد أخرى إلى نعمة وميزة تجتذب السائحين للتزلج على الجليد. يكفي أن يأتي الشتاء حتى يهرع إليها آلاف السائحين لممارسة هذه الرياضة.
واستطاعت سويسرا أن تحقق عدد من أهداف التنمية المستدامة قبل ست سنوات من المدى الزمني المحدد لأجندة 2030، مثل الهدف الأول المتعلق بالقضاء على الفقر والهدف الثاني المتعلق بالقضاء على الجوع وغيرها من الأهداف الأخرى وبات مطالبا من الآليات الدولية بنقل تجاربها الجيدة في تحقيق هذه الأهداف إلى الدول الأخرى. إذا لا عجب أن السويسريين يحبون دولتهم ولذلك تراهم منتجين، فخورين بما حباهم الله من طبيعة خلابة ولا عجب إذ إن المواطن السويسري جاء في المقدمة عندما يتعلق الأمر بمتوسط الثروة لكل شخص بالغ بقيمة تبلع 685 ألف دولار وفقا لتقرير الثروة العالمية الصادر في يناير 2024 عن بنك كريدي سويس- Credit Suisse وهي نتيجة طبيعية لشخص أحب بلده وأخلص في عمله وأفنى حياته للدفاع عنها كل في تخصصه.
اضف تعليق