بقلم/ أيمن عقيل
بدأت العديد من الدول وبعض الجهات أن تنتبه للمنهجية المعيبة للتقرير السنوي للخارجية الأمريكية عن أوضاع حقوق الإنسان في العالم والذي يشمل تقارير قطرية لـ 200 دولة ومنطقة في العالم، بما في ذلك 18 دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حسب تصنيف التقرير. حيث أعلنت الخارجية الأمريكية في مؤتمر صحفي في 22 أبريل 2024 عن نشر التقرير السنوي عن حقوق الإنسان وإتاحته للجمهور والصحافة ووسائل الإعلام. و كملاحظة أولي على التقرير وجدت إنه لا يخصص جزءا لحقوق الإنسان في الولايات المتحدة، كما أن التقرير بحسب المنهجية المتبعة في إعداده وهي معلنة بطبيعة الحال لا يقيم أي آثار مترتبة على حقوق الإنسان جراء ممارسات أو إجراءات اتخذتها الحكومة الأمريكية أو حتى من ينوب عنها. وفي رأيي إن استبعاد تقييم هذه الآثار الناجمة عن التصرفات الأمريكية، قد يكون مقصودًا ليتفادى التقرير ذكر أي آثار سلبية ناجمة عن العقوبات القسرية الانفرادية التي تفرضهًا الولايات المتحدة على دول مختلفة كالجمهورية العربية السورية على سبيل المثال لا الحصر.
لذلك أثار التقرير غضب مجموعة من الدول، وفي مقدمة هذه الدول الاتحاد الروسي الذي انتقد ما وصفها المنهجية المتحيزة في التقرير، بجانب انتقاد المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا ما وصفته بـعدم موضوعية التقرير، كما أضافت إن التقرير السنوي لم يتضمن كلمة واحدة حول واقعة وفاة المدون الأمريكي غونزالوا ليرا الذي توفي في السجون الأوكرانية. كما انتقدت تركيا التقرير وقالت إنه ينص علي اتهامات لا أساس لها من الصحة ومعلومات خاطئة وتعليقات متحيزة تتعلق بتركيا، والهند وباكستان ودول أخرى أيضا انتقدت التقرير الصادر عن الخارجية الأمريكية.
لكن رد فعل الخارجية الصينية كان الأعنف، فردًا على سؤال من الصحافة بخصوص الجزء الخاص بالصين في التقرير قال وانغ وين بين المتحدث باسم الخارجية الصينية إن ما يسمى تقرير الخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان ملئ بالأكاذيب والتحيز ضد الصين، وأضاف إن الهيمنة التي تحاول أن تفرضهًا الولايات المتحدة على الدول بذريعة حقوق الإنسان بمثابة أنانية ونفاقًا لم يعد خفيًا على أحد ونصح الولايات المتحدة بأن تراقب هي الأخري ممارستها وأن تهتم بمشاكلها الخاصة وأن تتوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
كما وجدت بعض الآراء والشخصيات التقرير بمثابة فرصة ليس لانتقاد منهجية التقرير فحسب ولكن لإنتقاد أوضاع حقوق الإنسان في الولايات المتحدة وزعمت بعض التقارير إن التعديل الدستوري الثاني في الولايات المتحدة أتاح امتلاك السكان للأسلحة بشكل غير مسبوق. وبالفعل وفقًا للتقديرات فإن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة في العالم التي يوجد فيها أسلحة أكثر من عدد سكانهًا، كما إن أمريكا بها أكبر عدد من السكان الجنائيين في العالم بواقع 2.1 مليون سجين، كما وجد البعض التقرير فرصة لانتقاد عنف الشرطة في الولايات المتحدة التي تقتل وفقا تقديرات ذات مصداقية أكثر من ألف شخص كل عام.
لكن من ناحيتي وبغض النظر عن ردود الأفعال التي صاحبت إصدار التقرير، أري بالفعل إن التقرير مليء بالتناقضات فعلي سبيل المثال ينتقد التقرير الدعم العسكري التي تقدمه بعض الدول إلي الجماعات المسلحة والحكومات في الشرق الأوسط، مع ذلك لم يشر التقرير في الجزء القطري الخاص بإسرائيل والضفة الغربية وغزة إلي الدعم العسكري الواسع المتمثل في تصدير الاسلحة لإسرائيل من جانب الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى وهي الأسلحة التي تستخدم في جرائم ضد الإنسانية، وهنا أشير إلي أن 69 % من واردات إسرائيل من الأسلحة آتية من الولايات المتحدة خلال الفترة من 2019 وحتى نهاية 2023.
جانب آخر من التناقض الواضح في التقرير هو الانتقادات الموجهة لحكومات 140 دولة فيما يخص عدم احترام الحق في التجمع السلمي، مع ذلك يتغاضى التقرير عن القيود التي فرضتها الدول الغربية على ممارسة هذا الحق، ولأكون محددا أكثر، ورد في الجزء القطري الخاص بألمانيا عند تناول الحق في التجمع السلمي إن الحكومة الألمانية احترمت هذا ألحق ولم يشر التقرير لأي وقائع أخري جري فيها تقييد هذا الحق خاصة فيما يتعلق بالمظاهرات الداعية لوقف إطلاق النار في غزة رغم إن هناك وقائع موثقة تبرز القيود التي فرضتها الشرطة الألمانية على ممارسة هذا الحق خلال الفترة التي يغطيها التقرير.
أخيرا، أرى شواهد بأن التقرير السنوي للخارجية الأمريكية سيقابله في السنوات القادمة تقارير من دول أخري، فعلى سبيل المثال بدأت الصين وإيران تصدر تقارير سنوية عن أوضاع حقوق الإنسان في الولايات المتحدة الأمريكية بشكل منتظم ، كما أن بيلاروسيا ونيكاراجوا يفكرا في الأمر ذاته. كأن هذه الدول تقول للولايات المتحدة تقاريركم سترد إليكم. مع ذلك لست ضد إصدار تقارير تقيميه لأوضاع حقوق الإنسان في الدول تستند إلي التزامات هذه الدول بموجب الاتفاقيات الأساسية لحقوق الإنسان والإستراتيجيات الوطنية والتي جزء من التشريعات الوطنية، لكن يجب أن تستند هذه التقارير إلي معلومات ذات مصداقية وأن تكون المعايير التي يستند إليها التقرير واحدة مع جميع الدول. حتي تبتعد الخارجية الأمريكية بالتقرير عن التسييس والثغرات الواردة في التقرير والتي قد توحي بأنها تعبر عن توجه ضد دول معينة ما يؤدي إلي دائرة مفرغة من الاتهامات المتبادلة.
اضف تعليق