بقلم/ أيمن عقيل
انتهت المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية المصرية، لكن دلالاتها وتداعياتها لم تنته بعد. وسيبقى الجدل المجتمعي حول إيجابياته وسلبياته قائماً لأسابيع قادمة على الأقل. والأهم هو أن يكون هذا النقاش خاليًا من الاتهامات التقليدية التي ميزت الانتخابات قبل ثورة 25 يناير 2011.
إن انحيازات الدولة وتدخلاتها وحقائق التزوير والتلاعب الممنهج لم تعد موضع انتقاد، خاصة وأن الثورة كانت فاصلة في مثل هذه الممارسات.
والنقطة المثيرة للجدل الآن هي سلوك المرشحين وتأثير المخالفات التي ارتكبها الكثير منهم على النتائج الانتخابية. والنقطة الأهم هي انخفاض معدلات الإقبال خلال المرحلة الأولى، إذ لم يتجاوز عدد المشاركين في الانتخابات 26% من جميع الناخبين المحتملين، بحسب المفوضية العليا للانتخابات.
وهي نسبة مشاركة منخفضة للغاية مقارنة بالانتخابات الرئاسية في مايو 2014 أو الانتخابات البرلمانية التي أجريت عام 2012، إلا أنها أعلى بكثير من معدلات ما قبل ثورة 25 يناير. وهو ما فتح الباب أمام نقاش مجتمعي حول مبررات ودوافع تلك المشاركة الهزيلة. هل قاطع الناخبون الانتخابات؟ أم أن هناك دوافع أخرى غير المبررات السياسية؟
ولنعترف أن نسب الإقبال والمشاركة كانت منخفضة للغاية ولا تتناسب مع أهمية البرلمان القادم أو متطلبات هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها مصر. واعتبار أن نسبة المشاركة المنخفضة هي نتيجة لحملة المقاطعة هو أمر غير منطقي ويتناقض مع عدة أهداف، مما يقوض أساس هذا الاقتراح.
شهدت المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية المصرية مشاركة حزبية بواقع 44 حزبا سياسيا في العملية الانتخابية وتنافس المرشحين على مقاعد الأفراد والقوائم. تشكلت معظم الأحزاب في أعقاب ثورة 25 يناير، والعديد منها يعارض النظام الحالي. وشكل مرشحو الأحزاب أكثر من 34% من إجمالي عدد المرشحين خلال المرحلة الأولى وفازت الأحزاب بأكثر من 50% من المقاعد.
وتشير الأرقام السابقة بوضوح إلى أن القوى السياسية والفاعلين الحزبيين، باستثناء جماعة الإخوان المسلمين، لم تقاطع الانتخابات أو تدعو إلى حملة المقاطعة. ولذلك فإن انخفاض نسبة المشاركة لم يكن نتيجة عمل سياسي ولا يمكن تعريفه بالمقاطعة. إنه ببساطة عزوف مصري عن المشاركة في الانتخابات، وهو سلوك سيستغرق تغييره وقتا طويلا نسبيا، وسيحتاج إلى جهد مضاعف من الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني لرفع مستوى الوعي وتحفيز الناس على المشاركة. .
ويعود تدني المشاركة إلى الدور السلبي الذي لعبته وسائل الإعلام قبل الانتخابات. وكان هناك تقصير واضح في إثارة قضية الانتخابات النيابية لأهميتها، وكانت وسائل الإعلام في كثير من الأحيان أكثر اهتماما بقضايا أخرى تافهة.
وطغى تدني المشاركة في الانتخابات على المظاهر الإيجابية الأخرى التي شهدتها المرحلة الأولى من الانتخابات. ولأول مرة منذ سنوات عديدة، فازت خمس نساء بمقاعد فردية دون تطبيق الكوتا. كما فاز ثلاثة أقباط مسيحيين بمقاعد في المناطق المزدحمة بالمسلمين.
يحمل صعود المرأة والأقباط في المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية المصرية إشارات إيجابية على حدوث تغيير كبير في مواقف ودوافع الناخبين المصريين. لقد اقتربت سلسلة الطائفية والتحيز ضد المرأة من الانكسار، مع الأخذ في الاعتبار أن النساء والأقباط فازوا بمقاعد في المناطق التقليدية الفقيرة.
أيمن عقيلهو المدير العام لمنظمة غير حكومية مقرها القاهرة، مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان
اضف تعليق