عن تكلٌفة الفرصة البديلة

عن تكلٌفة الفرصة البديلة

بقلم/ أيمن عقيل

دون مقدمات أستطيع أن أقول بأن حياتنا تتلخص فيما يعرف بـ "تكلفة الفرص البديلة" وهو مفهوم اقتصادي يتمثل في قيمة الأشياء التي قد نمتلكها مقابل الأشياء التي يمكن أن نتخلى عنها ونتركها أو نخسرها ،او بمفهوم اخر "تكلفة الفرص البديلة" هي الفوائد أو المصالح التي من الممكن أو المحتمل أن يحصل عليها الشخص أو المؤسسة مقابل الفوائد والمصالح الضائعة عند تفضيل بديل على الآخر. "تكلفة الفرصة" وهي الفوائد أو المصالح التي يمكن أو من المحتمل أن يحصل عليها شخص أو منظمة مقابل الفوائد والمصالح المفقودة عند تفضيل بديل على الآخر.

وآري من وجهة نظري إن تكلفة الفرصة البديلة تنطبق على جميع ما هو حولنا اليوم والامس وغدا ولا يمكن أن تقتصر على الأشخاص أو الشركات فحسب بل حتى الدول ومنظمات المجتمع المدني .

فعلى مستوى الدول وخاصة النامية يجب عليها أن تقيس تكلفة الفرص البديلة عند الإقدام على قرارات من الممكن أن تؤدي إلي توتر علاقتها بالدول الكبرى، وهنا لا أقصد أن تستسلم هذه الدول للتبعية السياسية والاقتصادية، ولكن اقصد قياس المخاطر بحذر لدرء أي تبعات سلبية على شعوبها. فكنت اتسائل دائما هل قدر الرئيس الراحل صدام حسين تكلفة الفرصة البديلة عندما اتخذ قراره بغزو الكويت، مدفوعا بالفخ الذي نصبه له الأمريكان؟ والحقيقة أشك في ذلك.

ليس الدول النامية وحدها مطالبة بقياس التكلفة فاعتقد أن أوكرانيا لم تقدر جيدا تكلفة الفرصة البديلة عندما اختارت أن تنحاز للدول الغربية والاندفاع نحو شيطنة روسيا. وكانت النتيجة هي حرب شعواء لا تزال متواصلة بجانب ضم روسيا لأربع مناطق في شرق أوكرانيا وهم لوجانسك ودونيتسك وزابوروجيا وخيرسون. وبالعودة للتاريخ لم أتخيل أن هتلر قدر تكلفة الفرصة البديلة عند عزمه غزو الاتحاد السوفيتي وهو ما كانت نتيجته هزيمته في معركة ستالينجراد.

على مستوى المجتمع المدني كنت شاهدا على منظمات لم تغير منهجها في العمل الحقوقي لترض الجهات أو الدول المانحة، ولم تغير هذه المنظمات منهجها في العمل لتتوافق مع أجندة الجهات المانحة التي تعطي بسخاء لقضايا مثل دعم حقوق مجتمع الميم. حتى في الأوقات التي واجهت فيها بعض المنظمات التي أعرفها نقصا حادا في الموارد المالية بقيت ملتزمة بتقدير وقياس تكلفة الفرصة البديلة.

وأستطيع أن أؤكد لحضراتكم ومن واقع التجربة أن العمل الحقوقي في حد ذاته والتركيز على قضايا حقوق الإنسان أصبح اختيار صعب للغاية في ظل عدم الاحترام لهذه الحقوق في العالم من الدول التي تدعي أنها تحمي حقوق الإنسان في العالم وهي تقتل الانسان علي مرأى ومسمع من العالم.

أخيرا وعلى مستوى الأفراد يمكن القول إن تكلفة الفرصة البديلة هي البوصلة التي تحدد لكل فرد منا طريقه، ولكن ذلك يعتمد على مدى وعيك بالقرارات التي تقدم عليها وحساب تكلفة اتخاذك لها أو التخلي عنها ، فقد يقرر الشخص منا الزواج وبناء أسرة لكن هذا القرار يترتب عليه انهاء العزوبية وعليه أن يتحمل مسئولية أسرة فهل هو مستعد لذلك ، قد يختار أشخاصًا آخرين تدخين السجائر بإفراط ولكن نتيجة ذلك سيعاني من أضرار صحية ومالية معروفة. قد يختار الشخص ان يعمل بمهنة أو وظيفة غير ما قام بدراسته فسيكون ذلك مقابل التنازل عن بعض احلامك .

في النهاية يبقى لكل شيء تكلفة وتبقي تكلفة الفرصة البديلة هو الاختيار الذي يتبعه التنازل والتضحية وخسارة شيء آخر ، فيجب علينا جميعا تحمل مسؤولية هذا الاختيار وتبعاته.

اضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة مشار إليها *