هل لو لم تكن الأمم المتحدة موجودة لاخترعناها؟

هل لو لم تكن الأمم المتحدة موجودة لاخترعناها؟

بقلم/ أيمن عقيل

اثناء السير في شوارع جنيف المؤدية لقصر الأمم، والترجل داخل المباني المختلفة لمنظمة الأمم المتحدة الشاهدة على عبق التاريخ تذكرت القول المنسوب لوزيرة الخارجية الأمريكية الراحلة مادلين أولبرايت " لو لم تكن الأمم المتحدة موجودة لاخترعناهًا " واندهشت لإن الولايات المتحدة التي كانت حريصة علي وجود المنظمة حتي في أوج صدامهًا معها، وكانت أساس المناقشات التي افضت إلي إنشاء ميثاق الأمم المتحدة هي من تتخلي عن دورهًا في الوقت الحالي تجاه المنظمة الدولية، فخلال اليوم الأول لتنصيبه رئيسًا للولايات المتحدة اتخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرارًا بالانسحاب من منظمة الصحة العالمية وهي الجهة التنسيقية فيما يخص المجال الصحي ضمن منظومة الأمم المتحدة، كما تعهد بالانسحاب من اتفاق باريس للمناخ و يعني ذلك التخلي عن الأهداف الطموحة التي وضعتها المنظمة الدولية للتكيف مع تغير المناخ والتخفيف من أثاره. الأمر لم يقتصر على ذلك فقط فالولايات المتحدة لم تدفع اشتراكها المقرر في الميزانية العادية للأمم المتحدة لعام 2024 وهي أكبر مساهم فيها بنسبة 22% من إجمالي الميزانية العادية وفقا لأخر تقديرات. وهو ما يجعل الأزمات المالية التي تعانيها المنظمة تتفاقم.
و هذا التخلي يأتي ونحن في عام 2025 وهو عام الاحتفال بالذكري الثمانين لإنشاء الأمم المتحدة، ففي 26 يونيو سيكون الاحتفال بإعلان ميثاق الأمم المتحدة الذي جري التوقيع عليه في مدينة سان فرانسيسكو في ولاية كالفورنيا الأمريكية. وفي 24 أكتوبر 2025 ستكون الذكري السنوية الثمانين لدخول الميثاق حيز التنفيذ، والميثاق عرُف حينها بدستور العلاقات الدولية حيث وقع عليه مندوبي 51 دولة بعد اجتماعات استمرت لثلاث أشهر وكان أساس هذه الاجتماعات مقترحات أعدها ممثلون للولايات المتحدة والصين والاتحاد السوفيتي (سابقا) والمملكة المتحدة هذه الاجتماعات كان موقعها مدينة واشنطن. ويتكون ميثاق المنظمة الحكومية الدولية من 111 مادة وتسعة عشرًا فصلا يتقدم كل ذلك ديباجة. وتضمنت الديباجة وعودًا قطعهًا الموقعون على أنفسهم بإن ينًقذوا الأجيال القادمة من أهوال الحروب. والحقيقة إن الأمم المتحدة ساهمت في ذلك بالفعل، فقضي على أمراض مثل الحصبة وشلل الأطفال في مناطق واسعة من العالم وانخفض معدلات قتل المدنيين مقارنة بالحروب الذي اندلعت قبل إنشاء الأمم المتحدة. واتذكر هنا ما كتبه المؤلف الكندي " ستيفن بينكر" والذي خلُص في كتابه " جانبنا الملائكي- The Better Angels of Our Nature" إن وتيرة العنف الذي عرفناهًا منذ الحرب العالمية الثانية بدأت في الانخفاض وإن ضحايا الحروب باتوًا أقل، نعم حتى الأمم المتحدة وإن كانت ضعيفة وبقرارات مبتورة في أحيان كثيرة لكن لا يمكن إنكار أدوارها في تخفيض وتيرة العنف وتهدئة بعض النزاعات في أفريقيا وآسيا وحتى في القارة الأوربية.
ومع ذلك، فإن 80 عاما هي فترة تبدو طويلة في دورة حياة المؤسسات. ويبدو إن لتغيرات الزمن أثرها علي المنظمة الدولية وحتي أن لم ترق المنظمة في الوقت الحالي لمستوي توقعاتنا إلا إن العمل علي إصلاحها أفضل من اضعافها وجعلها بلا فائدة كما إن اضعاف مجلس الأمن وتحدي قراراته يمثل جانبًا أخر الضعف الذي يتطلب إصلاحًا فوريًا، فالجهاز المعني بتحقيق السلم والأمن لم يستطع ممارسة أي نفوذ في النزاعات التي اندلعت في الثلاث سنوات الأخيرة علي الأقل مثل النزاع في أوكرانيا وفي غزة والسودان وذلك لإن أي من الدول التي تحظي بحق النقض " الفيتو " غالبًا ما تكون عقبة رئيسية أمام صياغة أو تنفيذ قرارات من شأنه إنهاء الحروب.
لكني مع ذلك لازالت أري إن هذه المنظمة الذي نعرف بدقة التحديات التي تواجهه لم تنشأ لتعيش الشعوب في المدينة الفاضلة الذي حلم بها أفلاطون ولا في عالم مثالي لكن على الأقل أنشأت لتمنع الحد الأقصى من انتهاكات حقوق الإنسان ولتحسين حياة ورفاهية الناس في مناطق مختلفة من العالم. وليس هناك استشهاد على ما أقوله أدل مما قاله الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة داغ همرشولد بإن " الأمم المتحدة لم تٌخلق لتقود البشرية إلى الجنة، بل لتنقذها من الجحيم".

اضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة مشار إليها *