بقلم أيمن عقيل
في 15 فبراير 2024 نشرت مقالًا بعنوان " سأقدم لكم عرضَا لا يمكن رفضه" تخيلت فيه " مارلون براندو الشخصية الرئيسية في فيلم "الأب الروحي " يقدم عرضَا حكيما لإقرار السلام في الشرق الأوسط مع وصف هذا العرض بإنه لا يمكن رفضه من أي شخص يريد أن يعم السلام والأمن منطقة الشرق الأوسط. والعرض هو دولة فلسطينية موحدة عاصمتها القدس الشرقية تحت قيادة سياسية فلسطينية واحدة، يعيش فيها الفلسطينيون بجوارهم الإسرائيليين آمنين، لكن بعد مرور سبع شهور يبدو إن ما تخيله الأب الروحي، لم يجد آذان صاغية، وإن السلام في الشرق الأوسط لا يزال بعيد المنال كأنه صرحًا من خيال فهوى على رأي الست أم كلثوم في أغنية الأطلال.
ولست متشائما بطبعي لكن الوصول إلى السلام في الشرق الأوسط، بات رهنًا لبعض القادة الذين لا يشغلهم سوى مستقبلهم السياسي، بجانب إرادة دول كبرى مرتخيًة لا تفعل إلا القليل لمنع توسيع دائرة الحرب التي قد تلتهم الجميع في إقليم الشرق الأوسط اليأس، وأستطيع أن أحٌدد مجموعة أسباب لاستمرار الصراعات في الشرق الأوسط وغياب السلام ، أولها الحرب الإسرائيلية على غزة وعدم الرغبة الإسرائيلية في حل الدولتين؛ ثانيها الحروب بالوكالة التي تخوضها بعض الجماعات الفاعلة دون الدول بالنيابة عن أطراف خارجية لا تريد أن تنعم هذه المنطقة بالسلام، ثالثهما الرغبة المحدودة لدى بعض الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية في رؤية شرقًا أوسطًا هادئًا ومستقرًا. ولو عدد أي منا الزيارات التي قام بها المسؤولين الأمريكيين بما في ذلك وزير الخارجية الأمريكي " بلينكن " منذ السابع من اكتوبر إلي إسرائيل لأندهشت. وتساءلت هل بالفعل تريد الولايات المتحدة وقف إطلاق النار أو استمرارها؟ واعتقد إن الإجابة هي من نحن فيه في الوقت الحالي. لذلك فالخروج من دوامة العنف والحروب في الشرق الأوسط والوصول إلي تفاهمات لن يتحقق طالما بقي القادة السياسيين والدول الكبرى مقتنعة إن صناعة الحروب أسهل من صناعة السلام وطالمًا لم يدركوًا إن الزمن قد تغير وإننا لم نعد في زمن يصلح فيه غزو الدول بالسيوف والرماح
ولكي أكون أمينًا فإن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ليس وحده من يعطل عملية السلام في الشرق الأوسط، فالحرب في السودان هي الأخري باتت تمثل عائقًا أمام إقليم مستقر، وباءت كل محاولات الوساطة بين الأطراف المتصارعة بالفشل وكان آخرها مفاوضات جنيف التي بدأت في 14 أغسطس والتي لم يشارك فيها الجيش السوداني إلا افتراضيا بسبب مطالب محددة تتمثل في انسحاب الدعم السريع من المٌدن المحتلة حسب وصفه وتنفيذ ما جاء في اتفاق جدة. وأقصى ما أفضت إليه مفاوضات جنيف هو الحصول على ضمانات لتوفير ممر آمن لدخول المساعدات الإنسانية، لكني أري إنه رغم أهمية هذه الضمانات إن الحاجة الأكبر تتمثل في حث الأطراف على الدخول في مفاوضات لإنهاء الحرب، وحث الدول على وقف نقل مزيد من الأسلحة للسودان التي لديها حدود تقدر ب7000 آلاف كيلو متر مع الدول المجاورة وهو ما ينشأ فرصة للنقل غير المشروع للأسلحة التي تؤدي إلى خسائر لا يمكن تصورها فحتي بداية سبتمبر وصل إجمالي القتلى إلى أكثر من 16 ألف ونزح نحو 11 مليون شخص ويواجه نحو 26 مليون شخص مستويات مرتفعة من الجوع ووفقا للتقييم نصف السنوي للتهديدات الصادر عن هيئة مجتمع المخابرات الأمريكية فإن الدعم العسكري الأجنبي الذي يتلقاها طرفي الصراع في السودان قد يعيق أي مشاورات بناءة للوصول إلى السلام.
والحقيقة إنه فيما يخص القضية الفلسطينية أو السودان أو حتى اليمن وليبيا هناك خطط مكتوبة وجوهرية لإرساء السلام في كل دولة على حد بما يعود بالاستقرار على الإقليم ككل، لكن هناك من لا يريد أو لا يرغب في هذه الخطط أن تصبح أمرًا واقعًا لأنه مستفيد من دوامة العنف الدائرة في الإقليم، أخيرًا يحتاج السلام في الشرق الأوسط إلى قادة ودول شجاعة قادرة على تعظيم إجراءاتها و استخدام جميع أدواتها لإقرار السلام كبديل عن الفوضي في الشرق الأوسط وهي فوضي إن حلت لن يقدر أي طرف في رأيي تداعياتها.
اضف تعليق