بقلم: أيمن عقيل
ما أن تطأ أقدامي شوارع جنيف القديمة، حتى أشعر وكأني أترجل بين قطع فنية عُثر عليها في القرون الوسطي. وتظل جنيف هي المدينة الثانية بعد القاهرة التي أشعر فيها بالراحة النفسية، وأجد فيها السكينة والهدوء الذي اختارهم بعيدًا عن الصخب والضجيج.
وأعترف إن جنيف تترك في الإنسان أثرًا لا يمكن محوه بسهولة! فقد زرتهًا أكثر من ثلاثين مرة، مشاركًا في دورات الـ UPR، ودورات مجلس حقوق الإنسان واللجان التعاقدية. وفي كل مرة أعود إليها أحاول أن أتعرف عليها من جديد. فقطرات المطر التي تساقطات على المظلة (الشمسية) التي رفعتها على رأسي في الشوارع المؤدية لمقر مجلس حقوق الإنسان في جنيف؛ وإن حجبت وصول المياه إلى ملابسي لكنها لم تحجب أبدًا تفكيري في قيم العمل الشاق والمؤثر الذي يصاحبنا في هذه المدنية، وولم يمنعني من السير بلا هوادة للتعلم واكتساب الخبرات من مدينة المؤسسات الدولية والكيانات التابعة للأمم المتحدة، التي تشهد هجومًا في الوقت الحالي لم يسبق له مثيل من قبل الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل.
هذه المرة، شاركت بعثة ماعت في الدورة 48 لآلية الاستعراض الدوري الشامل. ورغم أن بعثة هذا العام ليست الأولى، لكنها كانت الأصعب، إذ تمثل تتويجًا لتحضيرات استمرت ربما ما يقارب العام. والمختلف فيها من وجهة نظري أنها "الأكثر تنوعًا" من حيث المشاركين فيها و"الأكثر عددًا" بلا شك.
بدأنا التجهيز لبعثة ماعت منذ مايو 2024، سواء بالتواصل مع الشركاء أو من خلال إطلاق التحالف المصري للاستعراض الدوري الشامل. وأثناء تلك التحضيرات كانت تتسع طموحتنا وتكبر وتمتد. وكان معنا من الشركاء والشباب في تلك البعثة ما أستطيع أن أقول عنهم: إن خيالهم يصل عنان السماء، وطموحهم لا يتوقف، وشغفهم بالعمل والتعلم والتدريب والرغبة في اكتساب الخبرات ظاهرًا في أعينهم، ويحركه قلوبهم وإيمانهم بقدراتنا على التأثير والتغيير.
وأكثر ما أسعدني على الصعيد الشخصي في هذه البعثة هو تدريب 35 شابًا من جنيف وأوروبا وأفريقيا. فكان البرنامج التدريبي المُعد بناء على أُسس علمية لهؤلاء الشباب لمتابعة أعمال الدورة 48 لآلية الاستعراض الدوري الشامل، هو نتاج جهد جماعي وتشاركي، ليستطيعوا متابعة جلسات الحوار التفاعلي وجلسات اعتماد نتائج الاستعراض والفعاليات الموازية والاجتماعات المعلوماتية من داخل قصر الأمم المتحدة بجنيف.
كما كانت الوقفة السلمية التي نظمتها بعثة ماعت بالتعاون مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي والثقافي التابع للاتحاد الأفريقي ومجموعة المنظمات غير الحكومية الكبرى في أفريقيا؛ التابعة لإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة، والتحالف الدولي للسلام والتنمية، بجوار الكرسي المكسور أمام مقر الأمم المتحدة بجنيف، دليلًا إضافيًا على التآزر والروح التي جمعت أعضاء البعثة. واتخذت تلك الوقفة شعار "اتحدوا من أجل السلام.. التعويضات ليست مادية فقط". وبالمناسبة فإن قضية التعويضات هي موضوع الاتحاد الأفريقي الذي اختاره لعام 2025. وأجزم بكل قوة، أن جهد وتفاني أعضاء البعثة ونبل مقصدهم والروح الإيجابية هو سبب نجاح هذه الوقفة التي ضمت أكثر من 60 مشاركًا في أجواء يكسوها البرد والصقيع والرياح التي كانت تعاند أجسادنا، لكنها لم تتغلب على عزيمتنا في الوقفة، والبعثة ككل.
أتذكر الآن لمعان أعيننا جميعًا بدموع الفرح والانتصار أثناء البعثة، التي تدفعني الآن أن أقول لكل أعضاء بعثة ماعت؛ سوا من كان معنا في جنيف أو من ساهم معنا من داخل دولته، وللفريق الإداري كله في مؤسسة ماعت: شكرًا وألف شكر على هذا الجهد الذي بذلتموه، وأعاهدكم أن نستكمل مسار النجاح بلا توقف، لتظل ماعت بعد عشرين عامًا من تأسيسها نبراسًا لخدمة السلام والتنمية وحقوق الإنسان، وستظل هذه الكلمات أرشفة حية لما نفعله وننوي فعله في المستقبل. فالحياة ليس لها معنى إن لم تقُدك كل يوم ليكون لديك جديد تفعله ينعكس بالإيجاب علي حياة الأخرين.
اضف تعليق