بقلم/ أيمن عقيل
قيل لنا منذ عقود أن إسرائيل هي واحة الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط، وأنها وحدة جغرافية ودينية وعرقية متجانسة. إلا أن خروج مئات المتظاهرين من طائفة الحريديم في 21 أغسطس الجاري اعتراضًا على تجنيد الدفعة الأولى من شبابهم في الجيش الإسرائيلي واشتباكهم مع الشرطة الإسرائيلية، يكشف لنا حجم الانقسام الذي يعيشه المجتمع الإسرائيلي. فطائفة اليهود الحريديم تتمتع بمميزات عديدة داخل المجتمع الإسرائيلي وجميع القيادات السياسية الإسرائيلية تريد ارضائها ، كانوا اليهود الحريديم معفيين من التجنيد الإلزامي في الجيش الإسرائيلي، وكانت وما زالت تلك الإعفاءات تسبب غضباً واعتراض من قبل اليهود العلمانيين، وبعض فئات المجتمع خصوصًا مع سقوط عدد من أبنائهم قتلى منذ بدء عملية طوفان الأقصى بأكتوبر 2023.
وفي العديد من المناسبات يخرج المتظاهرون من جميع فئات المجتمع الإسرائيلي للمطالبة بالمساواة في الخدمة العسكرية، ويقابل ذلك اعتراضات من قبل قيادات اليهود الحريديم، الحد الذي وصل إلى إعلان الحاخام الأكبر في إسرائيل "يتسحاق يوسف" في عدد من المناسبات لأبناء الطائفة؛ بعصيان الأوامر العسكرية مفضلاً سجنهم داخل إسرائيل أو ترك البلاد، هروبًا واعتراضًا على الخدمة العسكرية، في مقابل اعتبار زعيم المعارضة الإسرائيلي "يائير لابيد" أن التمييز بين الدم والدم يٌعتبر خيانة للوطن والجيش.
كل ما سبق يأتي في ظل اعتراضات أبناء اليهود الحريديم ومظاهراتهم المستمرة التي يٌرددوا معها شعارات "سنموت ولن نلتحق بالجيش"، و"إلى السجن وليس إلى الجيش"، بل ويصفوا قاداتهم بـ "النازيون"، وهي شعارات تكشف عن عدم اعترافهم بالدولة والأمن القومي لها وتفضيلهم للهوية الدينية اليهودية. فالعديد منهم يرفض التجنيد العسكري بسبب إن أسلوب حياتهم المتدين قد يتعارض مع الأعراف العسكرية، ويٌعبر عدد منهم عن معارضتهم الأيديولوجية الليبرالية للدولة، ويؤكد العديد من المثقفين والكتاب في دولة الاحتلال أن هذه الطائفة ضد فكرة المواطنة والديمقراطية ويحتقرونها. وهو ما عبر عنه الكاتب الإسرائيلي "نيهيميا شتراسلر" بمقال في صحيفة "هآرتس" بمارس 2024 عن ذلك الأمر.
لقد أظهرت أزمة تجنيد اليهود الحريديم الذين يبلغون 13.3% من عدد السكان في إسرائيل، هشاشة المجتمع الإسرائيلي وإمكانية انفجاره من الداخل في أي وقت، لاسيما في ظل تصميمهم على أن الانضمام للجيش انحرافاً عن التوراة والتلمود، وأن في الاختلاط بين الجنسين، إهانة لأعرافهم المحافظة من جهة، في مقابل هجوم العديد من الطوائف الأخرى لهم بما في ذلك الطائفة العلمانية بمعارضة فكرة الدولة وخيانتها.
اضف تعليق